الابتلاء من سنن الله تعالى الكونية (فيروس كورونا)

0 551

قال الدكتور احمد عبد الكريم أحد علماء الازهر الشريف

اخبار مشابهة
1 من 617

يعد الابتلاء من سنن الله تعالى الكونية، فلقد ابتلى الله قديمًا كثيرًا من عباده المرسلين فمنهم من ابتلي في نفسه، ومنهم من ابتلي في زوجه، ومنهم من ابتلي في ولده، ومنهم من ابتلي في قومه، فننظر اليهم من حيث استقبالهم للابتلاء فالرضا يملؤ قلوبهم وأعمالهم، كذلك عباد الله الصالحين في كل زمان ومكان قد ابتلوا جميعًا في أموالهم وأهليهم، فرضوا كما رضي من قبلهم من المرسلين الأولين، فجاء دورنا فالسؤال الذي يطرح نفسه ألا وهو، هل استقبلنا البلاء كما استقبله الأوائل الأطهار من المرسلين والصالحين؟ الجواب نريد أن نراه عمليًا لا شفهيًا، كم من مريض أصابه المرض فسخط ويأس!! وكم من مسافر على طريق أصابه مكروه فحدث ربه بحديث لا يليق!! وكم من زوج ضاق عيشه فيأس من حياته!! وكم من عاص عصى الله كثيرًا فيأس من التوبة!! وكم من أناس قد مات عزيز لديهم ولم يصبروا على فراقه!! وكم من أناس أساؤا الظن بالله ولم يحسنوا الظن به سبحانه!!
فإذا قرأنا صدر سورة الملك وتأملنا فيها شدة الابتلاء وتيقنا بأن البلاء هو الأقدم (الموت) قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ) الملك: ١ – ٣
فالله – تعالى- خلق الموت أولًا ثم الحياة الهدف ليبلوكم وليختبركم أيكم أحسن عملًا وهو سبحانه عزيز في كل أحواله وتصرفاته غفور لمن لجأ إليه وأخطأ في حقه، وهيا بنا نرى ما قاله ﷺ في سنة الابتلاء: فعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.
فالرسول ﷺ يتعجب من أفعال المؤمن حالة السراء والضراء، ويؤكد بأن ذلك لا يكون إلا للمؤمن.
وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبي هُرَيْرة رضيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه متفقٌ عَلَيهِ. وهذا دليل على وافر نعم الله – تعالى- على خلقه الذي خلقهم بيديه.
وعنْ أَبي هُرَيرة قال: قال رسولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ رواه البخاري. وهذا دليل على أن الابتلاء للإنسان أيًا كان نوعه، خيرًا له.
وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: (لا يتَمنينَّ أَحدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فاعلاً فليقُل: اللَّهُمَّ أَحْيني مَا كَانَت الْحياةُ خَيراً لِي، وتوفَّني إِذَا كَانَتِ الْوفاَةُ خَيْراً لِي) متفق عليه. ما أجمل هذه العبارات خرجت من فيه رسول الله حتى وإن ضاقت عليك الحياة لا تتمنى الموت وعلمنا كيف نتعامل مع ضيق الحياة كن مؤمنًا وقت سرورك ووقت ضيقك وغضبك.
انظر لمن يكون الابتلاء!! روى الترمذي، وابن ماجة عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ ، قَالَ: ( الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ).
وبالنسبة لانتشار (فيروس الكورونا) الذي رعب العالم كله، كذلك توالي نزول المطر، ووجود الرياح المستمرة هذا كله من الابتلاءات الربانية وهي جند من جنود الله – تعالى -، فالفيروس مرض جاء به الله ليختبر إيماننا به، ونزول المطر المستمر أيامًا حتى أغرق من شاء وأهلك زراعة من شاء مأمور من الله، والرياح جاءت من عند الله، قديمًا نصر الله بها من شاء، كل هذا يحتاج إلى رجوع حقيقي لله، نبينا شارح القرآن الكريم علمنا ماذا نقول عند نزول المطر( اللهم صيبًا نافعًا)، كما علمنا إذا جاءت الرياح ماذا نقول ( عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: “ (اللَّهُمَّ إِني أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا ، وَخَيْرِ مَا فِيهَا، وخَيْر ما أُرسِلَتْ بِهِ، وَأَعُوذُ بك مِنْ شَرِّهِا ، وَشَرِّ ما فِيها ، وَشَرِّ ما أُرسِلَت بِه).، وحتى نخرج من هذه المحنة سالمين، وتأتي إلينا من الله منحة فنكون غانمين، لابد أن نجدد العهد مع الله تعالى فنتوب إليه توبة نصوحًا مسبب هذه الأسباب، ونرفع شعار الإيمان الرباني لصاحب النعم والنقم فهو وحده النافع وهو الضار.
حفظ الله عباده المؤمنين في ربوع الأرض من كل مكروه وسوء. وحفظ شعبنا العظيم .

اترك رد