حاتم سليم يكتب/ أثر مدينة المحموديه فى تاريخ مصر الحديث ….

0 841

التأمل فى تضحيات الآباء والأجداد ….

 

.

بقلم / حاتم سليم

… المحمودية …اسم عريق ..اسم له تاريخ ..فيه حاجات كتير عنها لازم تعرفوها ….ولازم تعرف اهمية الاسم ده ..وكيف ضحي اجدادك وناضلوا واستشهدوا في سبيل بقاء هذا الاسم ..وبقاء مصر…وفضل مركز المحمودية واهلها وترعتها علي العديد من المحافظات المجاورة ..ومدي تأثير المحمودية علي تاريخ مصر الحديث وحتي الان ..وقد راعيت في هذا البوست التاريخي المختصر الدقة في التوثيق من مرجعين اساسيين الرافعي والجبرتي ..

اسم المحمودية لم يكن موجودا ..حتي اصدر السلطان ( محمود خان ) سلطان الآستانه فى ذلك الوقت أمرآ إلى محمد علي باشا للبدء في حفر ترعة المحمودية ..ابريل 1817..جمادي الثانية سنة 1232 هجرية..ومن هنا جاءت التسمية ..وعلي فكرة كان اسم الترعة هو (خليج الاشرفية)او ترعة الاسكندرية ..وكان يوجد ترعة قديمة ..ولكن فتحتها كانت من (الرحمانية) ..ولم تكن تمتد لمسافة طويلة ..وتراكم عليها الردم والرمال..لذلك صدر الامر بالحفر من (محمد علي باشا) بحفر ترعة المحمودية ..وهنا يذكر (عبد الرحمن الرافعي) في كتابه (عصر محمد علي) انهم شرعوا في حفر الترعة وجعلوا فتحتها من (العطف) ..حيث لم يكن اسم (المحمودية) قد ظهر..(وهنا نلاحظ انه منذ عهد قريب ..كان مكتوب علي المشروع (محطات العطف) وايضا علي الخرائط القديمة) ..ويذكر الرافعي في كتابه ..ان سبب شق ترعة المحمودية (خليج الاشرفية) ..هو الزراعة في (مديرية البحيرة) في ذلك الوقت ..كما ان الترعة ستكون وسيلة للمواصلات النيلية بين الاسكندرية وباقي البلاد ..حيث كانت المواصلات من قبل شق ترعة المحمودية عن طريق (رشيد) ..ولكن صعوبة اجتياز البوغاز كانت تعطل المواصلات من هذا الطريق ..وكان هذا التعطيل من اهم البواعث التي حفزت محمد علي باشا علي انشاء ترعة المحمودية ..وقد عهد محمد علي الي المهندس الفرنسي (مسيو كوست)لتصميم ترعة المحمودية ..ويذكر الرافعي في كتابه ..ان عدد من اشتغلوا في حفر ترعتنا 313000 من الفلاحين جيء بهم من (مديريات) البحيرة والغربية والشرقية والمنوفية والقليوبية والجيزة ..ومات منهم 12000 ..وان هؤلاء الموتي دفنوا علي ضفتي الترعة تحدت اكداس التراب الذي كانو يرفعونه من قاعها..(وهنا يا جماعة لازم ناخد بالنا من ان الجزء الذي كان بالقرب من الاسكندرية كان صحراء جرداء يندر فيه الماء ) ..ويذكر الرافعي في كتابه ان معظمهم مات من قلة الزاد والمؤونة ومن العمل المهلك بدون انقطاع بلا هوادة من الفجر الي الليل..وفي هذة الفترة يشرح (الجبرتي) في كتابه (تاريخ الجبرتي المسمى بـ عجائب الآثار في التراجم والأخبار).. أن عرض الترعة عشرة أقصاب والعمق أربعة أقصاب بحسب علو الأراضي وانخفاضها وتعينت كشاف الأقاليم لجمع الرجال وفرضوا أعدادهم بحسب كثرة أهل القرية وقلتها وعلى كل عشرة أشخاص شخص كبير وجمعت الغلقان ولكل غلق فأس وثلاثة رجال لخدمته وأعطوا كل شخص (خمسة عشر قرشًا ترحيلة) ولكل شخص ثلاثون نصفًا في أجرته كل يوم وقت العمل ..وتعين جماعة من مهندس خانة ونزلوا مع كبيرهم لمساحتها وقياسها فقاسوا من فم ترعة الأشرفية (حيث الرحمانية) إلى حد الحفر المراد بقرب (عمود السواري الذي بالإسكندرية) فبلغ ذلك ستة وعشرين ألف قصبة ثم قاسوا من أول الترعة القديمة المعروفة بالناصرية وابتداؤها من المكان المعروف( بالعطف عند مدينة فوة) …‏
ويذكر الرافعي في كتابه صفحة 489 ..ان ترعة المحمودية اتت بثمرات عظيمة فصارت السفن تجري فيها بين الاسكندرية والداخل تحمل حاصلات البلاد او وارداتها (فكانت تاتي الواردات الي ميناء الاسكندرية ثم تمرعبرترعة المحمودية ثم فرع رشيد ومنه الي باقي محافظات مصر وهذا يفسر ويوضح دور ترعة المحمودية في نقل معدات السد العالي من الاسكندرية وحتي اسوان ) وكانت سببا عمران البلاد التي مرت بها ترعة المحمودية واتسعت حركة التجارة الداخلية والخارجية فضلا عن ان مياة الترعة قد ساعدت علي الاكثار من الزرع وغرس الاشجار فاتسع نطاق العمران وابتني الاغنياء القصور وانشأوا البساتين علي ضفاف الترعة في جهات كانت من قبل مقفرة جرداء (طوسون باشا وبركات باشا وغيرهم )
فإذا قرأت ما ذكره الجبرتي بفكرك الي الماضي ،واذكر ان الاراضي الواسعة والبلاد العامرة التي تمر فيها الان ترعة المحمودية من منبعها الي مصبها كانت صحراء قاحلة لا ينبت فيها زرع ، ثم تحولت بعد حفرها الي مزارع تزدهر بالحياة والعمران ، واذا ذهبت يوما الي دمنهور وأخذت الطريق الزراعي المعبد الذي يصل بك الي الاسكندرية ، رأيت ترعة المحمودية تنساب بمنظرها البديع ومائهخا الرقراق بين بلدان عامرة ، وحدائق غناء ومزارع نضره واشجار باسقة ، طيور تحلق في السماء او تغرد فوق الاغصان المتهدلة علي جانبي الطريق ، ووجدت علي امتدد البصر مناظر تملأ النفس بهجة وسروراًُ وكلما سرت في الطريق رأيته مكتظا بالمركبات والدواب تنقل الناس من مختلف البلاد وتحمل حاصلاتهم ومتاجرهم ، وتري الترعة ذاتها لا ينقطع فيها عبور المراكب والصنادل والبواخر حاملة المتاجر ذاهبة اليه وآتيه بين الاسكندرية ودمنهور ، فحيثما ذهبت تجد معالم العمران المرتامي مداه وتلمح دلائل الحياة والنشاط والتقدم مرتسمة علي كل ما يقع عليه نظرك من مشاهد الطبيعة والخلائق ، فإذا سرحت الطرف في تلك المناظر المبهجة فإذكر ان الفضل في ذلك العمران( يرجع لمن حفروا بأيديهم ترعة المحمودية )، وبذلوا مجهودهم وارواحهم حتي جري ماء النيل في تلك النواحي حاملا الي الخلائق والناس والاراضي عناصر الخصب والحياة ،
ترعتنا ..ترعة المحمودية ..تم افتتاحها في 24 يناير سنة 1820 وذهب محمد علي باشا الي الاسكندرية مصحوبا بابنه ابراهيم باشا وصهره الدفتردار وطبوزاوغلي
هذا ما فعله الاجداد واستشهدوا من اجله وماتوا ودفنوا علي ضفتي ترعتنا تحت ترابها ..وتسغرب لما فعله هذا الحاكم العثماني وسعي لان يكون عصره هو عصر النهضة الحديثة في مصر ..فيا من تلقي الزبالة علي ضفاف ترعتنا ..ويا من تلقي الشحوم والزيوت من بقايا تنظيف السيارات بامتداد ترعتنا … ويا من تصرف مخلفات مصنعك في ترعة المحمودية .. . ويا من تصرف مجاري منزلك في النيل او في ترعة المحمودية .. اعلم ان جدك يرقد اسفل النهر وترعة المحمودية .. ولم ينتظر منك ان تفعل ذلك
واذا تاملت في كل ذلك فإذكر (تضحيات الاباء والاجداد) ، ومبلغ ما بذلوه في سبيل رفاهية الاجيال والاعقاب ، وتمهل في سيرك قليلا ، واستمطر الرحمة علي من استشهدوا في سبيل ذلك العمران ، وتمثل بقول المعري :
خفف الوطأ ما أظن أديم الارض الا من هذه الاجساد
وقبيح بنا وان قدم العهد هوان الاباء والاجداد …

اخبار مشابهة
1 من 50

 

 

اترك رد