إعلان هزيمة إسرائيل “عبدالحليم قنديل”

0 47

تجرعت “إسرائيل” السم ، ووافق قادة كيان الاحتلال على هدنة الايام الأربعة ، التى أملت حركة “حماس” أغلب شروطها عبر الوسطاء ، وكان ذلك اعترافا “إسرائيليا” صريحا بالهزيمة فى حرب قاربت الأيام الخمسين ، فالسياسة هى امتداد للحرب بوسائل أخرى ، ونتائج أى مفاوضات مرتبطة بموازين القوى على الأرض ، و”حماس” فرضت شروطها فى تبادل الدفعة الأولى من الأسرى ، وإطلاق سراح ثلاثة أطفال وسيدات فلسطينيات من سجون الاحتلال ، مقابل كل أسير أو أسيرة “إسرائيلية” مماثلة يفرج عنها ، وهو ما خضع له “الثلاثى المرح” المنكوب فى قيادة الاحتلال (نتنياهو وجالانت وجانتس) ، وكانوا جميعا يصرون على إطلاق سراح ما يسمونه كل “الرهائن” لدى “حماس” بلا مقابل ، وأبدى “بنيامين نتنياهو” بالذات عجرفة لفظية منفلتة عصبيا ، وبالغ فى ظنونه بإمكان “تحرير” الرهائن بالقوة المسلحة ، ثم تبين له أنه كان يطارد سرابا ، وفشلت حملة عشرات الآلاف من جنوده ونخبة ضباطه فى شمال “غزة” ، وصدمته خسائر قواته المفجعة ، وكان طبيعيا بعدها ، أن يحنى العدو رأسه المنكسة منذ هجوم السابع من أكتوبر المزلزل ، وأن يتقبل صاغرا ما أعلن رفضه لمرات ، وأن يوافق وحكومته ومجلس حربه على وقف إطلاق نار موقوت ، وعلى منع الطائرات الحربية “الإسرائيلية” من التحليق خلالها فى سماء “غزة” ، وعلى مضاعفة تدفق المساعدات وشاحناتها بما فيها “الوقود” إلى القطاع جنوبا وشمالا ، وأن يعترف ضمنا بدوام حكم حركة “حماس” فى “غزة” ، وهو الذى وصف “حماس” مرارا وتكرارا بالإرهابية و”الداعشية” ، بينما كسرت حماس وفصائل المقاومة أنف كيانه الإرهابى الوحشى الهمجى ، الذى أخفق فى قتال الرجال وجها لوجه ، ومن المسافة “صفر” القاتلة ، وراح يصب جام غضبه الانتقامى على المدنيين العزل ، وقتلت طائراته وقنابله الأمريكية ما يفوق العشرين ألفا من الفلسطينيين المدنيين ، بينهم نحو سبعة آلاف مفقود تحت الأنقاض ، وهدم أكثر من نصف مبانى “غزة” ، وأغلب مستشفياتها ومدارسها ومساجدها وكنائسها ومطاحنها ومخابزها ومنشآتها الحيوية ومحطات تحلية المياه ، ومن دون أن يرفع سكان “غزة” الراية البيضاء برغم التجويع والتعطيش والتشريد ، ولا أن ينزحوا من وطنهم ، ولا أن يتوقفوا عن إعلان التأييد الجارف لفصائل المقاومة ، التى أذلت جيش الاحتلال ، وأنهت أساطير هيبته وتفوقه وقوته الموهومة .
وقد يقال ، أن الحرب لم تنته بعد ، وهذا صحيح ، فما أن تنفد أيام الهدنة ، حتى يعود القتال من جديد ، ويعود القصف البربرى “الإسرائيلى” ، لكن عودة الحرب ستكون موقوتة كما الهدنة ، ولأسباب ظاهرة ، قد توحى بأن الحرب الراهنة تسلك طريق النهايات ، فحركة “حماس” وفصائل المقاومة ، لا تزال تحتفظ بالعدد الأكبر من أسرى العدو “الإسرائيلى” الأمريكى ، وبينهم الكنز الأهم من جنود العدو وضباطه الكبار ، وما قد يضاف إليهم من الأسرى فى الميدان الحربى ، وصيغة المقاومة واضحة ، وعنوانها الكل فى مقابل الكل ، أى أنه لا إفراج عن كل أسرى “إسرائيل” إلا بشروط ، أهمها الإفراج بالمقابل عن كل الأسرى الفلسطينيين فى سجون الاحتلال ، وأنه قد يجوز التدرج فى الإفراج عن الأسرى غير العسكريين بمقابل الثمن الثلاثى ، وفى مقابل هدنة موقوتة ، تزيد فتراتها الزمنية ، وبما فيها الهدنة الأولى المحتمل تمديدها لأيام مضافة مع إطلاق سراح أسرى جدد ، لكن الإفراج عن العسكريين بالذات ، قد يلزمه اتفاق على وقف إطلاق نار شامل من قبل العدو ، وهو ما يبدو أن “إسرائيل” سترضخ له فى النهاية ، وأن “واشنطن” ستفعل هى الأخرى ، وهى التى دفعت “تل أبيب” للحرب ، ودعمتها بكامل قوتها العسكرية وخطط جنرالاتها ونشرحاملات طائراتها وغواصاتها النووية ونخبها الخاصة ، ثم صدمتها النتائج المخيبة لآمالها ، واكتشفت أنها ذاهبة إلى محرقة لقواتها ولجيش الاحتلال “الإسرائيلى” ، إضافة لمحرقة الساسة فى “واشنطن” و”تل أبيب” معا ، فقد تهاوت شعبية “بنيامين نتنياهو” ـ رئيس وزراء العدو ـ إلى الحضيض ، ولم يعد يثق بصواب قراراته سوى 4% لا غير من يهود التجمع “الإسرائيلى” ، وهو ذاهب يقينا إلى أعطن مزابل التاريخ ، والرئيس الأمريكى “جوبايدن” ذاهب هو الآخر إلى مصير مماثل ، وتتدهور فرصه فى كسب انتخابات الرئاسة المقبلة ، وقد قال عقب إعلان الهدنة أنه “ممتن وراض عنها تماما” ، وهو الذى كان يحذر متبجحا ، أن أى وقف لإطلاق النار يفيد “حماس” وحدها ، ولا يجب السماح به ، بينما يمضى اليوم فى طريق تجرع السم نفسه ، وبسبب القدرة القتالية الباهرة للمقاومة ، وتدميرها بالجملة لمئات من آليات العدو العسكرية ودباباته ، وقتلها المئات من الجنود وضباط النخبة “الإسرائيلية” وربما الأمريكية ، اعترف العدو منها بمقتل ما يفوق السبعين ، وحجب أغلب الأرقام ، بينما اعترف مدير المقبرة العسكرية فى جبل “هرتزل” بالقدس المحتلة ، أنه يشرف على دفن خمسين عسكريا إسرائيليا كل يومين (!) ، فوق مئات الجنود والضباط الذين قتلوا فى هجوم السابع من أكتوبر ، ولا شئ يرعب “إسرائيل” وأمريكا أكثر من الخسائر البشرية الثقيلة ، فوق نزيف اقتصاد العدو ، الذى يخسر نحو 250 مليون دولار فى كل يوم حرب ، بينما تبدو قوة الاحتمال الفلسطينى للخسائر ذاتها بغير نهاية ، فوق أن خسائر “حماس” وأخواتها تبدو محدودة ، ويقدرها الإسرائيليون أنفسهم بما لا يزيد على عشرة بالمئة من قوة “كتائب القسام” العسكرية ، وهو تقدير مبالغ فيه على تدنيه ، ولا تدل عليه عقيدة وأساليب قتال متفوقة ، تبديها “حماس” وفصائل المقاومة الرديفة ، التى نجحت فى الحفاظ على شبكة ومدن أنفاقها السرية تحت الأرض ، وفى إبداء مهارات احترافية فى القيادة والسيطرة ، وإبداع وسائل وقذائف قتال صنعت ذاتيا وبتكاليف مالية متواضعة ، أثبتت المعارك الجارية فى شمال “غزة” نجاحها الباهر ، بينما يتردى العدو فى “الخيبة بالويبة” ، ويشن حربه على المستشفيات والجرحى والجثث والأطقم الطبية ، ويثبت هزال ادعاءاته العسكرية والمخابراتية وإعلاناته المثيرة للسخرية ، من نوع بياناته عن هدم وإغلاق المئات من فتحات الأنفاق ، بينما جنرالاته يضيعون فى المتاهة ، ويفبركون “فيديوهات” عبثية ، دفعت حتى أصدقائهم وداعميهم فى الإعلام الأمريكى والأوروبى إلى المشاركة فى فضح ادعاءات “الإسرائيليين” ، على نحو ما فعلت قناتا “السى . إن . إن ” الأمريكية و”البى . بى . سى” البريطانية ، وقد اصطحبت القوات الإسرائيلية مراسليهما إلى مستشفى “الشفاء” ، وقدمت لهم ما تصورته من غنائم وأسلحة وفيديوهات مصطنعة ، واضطرت القناتان لإعلان زيف “الفيديوهات” مقارنة بما اطلعوا عليه ، ورجحوا صحة رواية “حماس” ، التى كانت أعلنت حقيقة الأسلحة المضبوطة ، وأنها قطع سلاح أحضرتها القوات الإسرائيلية من جانبها ، فوق أن الجنرال “إيهود باراك” رئيس الوزراء “الإسرائيلى” الأسبق ، كان قد اعترف فى حوار مع “السى . إن . إن” ببعض الحقيقة ، وقال أن “إسرائيل” نفسها هى التى حفرت نفقا تحت مبانى مجمع “الشفاء” وقت احتلال “غزة” بعد 1967 ، وهكذا راحت الأوراق “الإسرائيلية” المزيفة كلها تتساقط ، ولم يعد أحد عاقل يصدق رواية “إسرائيلية” ، بدءا من ادعاء قطع “حماس” لرءوس الأطفال ، إلى أكاذيب الانتصارات الوهمية فى حرب المستشفيات ، فلم يعد العالم يرى من حقيقة قابلة للتصديق ، سوى وحشية “إسرائيل” وقتلها لعشرات آلاف المدنيين العزل فى “غزة” ، أغلبهم من النساء والأطفال ، وبما يجعل “النازى” نفسه يفزع فى قبره من “بربرية” جيش الاحتلال ، الذى يعجز عن مواجهة المقاتلين الفلسطينيين ، ويصب حمم النار الأمريكية على المدنيين المسالمين ، وهو ما اتسعت معه موجات غضب الرأى العام الغربى ، ومظاهرات مئات الآلاف فى المدن الأمريكية والأوروبية ، التى تقودها الجاليات الفلسطينية والعربية ، مع هوامش إنسانية تتسع فى النسيج الغربى عند القواعد الشعبية ، وتضغط على الحكومات الموالية لإسرائيل ، وتطالبها بالضغط على “تل أبيب” لوقف العدوان وإنهاء الحرب ، إضافة لمظاهرات الغضب فى التجمع الإسرائيلى نفسه ، وكلها تطالب بوقف الحرب مقابل إعادة الأسرى لدى “حماس” وأخواتها ، ولم يكن لهذا التحول أن يجرى فى المزاج الغربى ، إلا مع الصمود الشعبى الفلسطينى الصابر المتحدى لمحارق الإبادة الجماعية ، وإلا مع الأداء القتالى الأسطورى لحركات المقاومة الفلسطينية ، وكل هذه المتغيرات تصنع النصر الفلسطينى الجديد ، وتؤكد هزيمة “إسرائيل” التى لا مفر منها ، فقد أعلنت “إسرائيل” حربها بدعوى اجتثاث “حماس” ، بينما تبين للكافة ما كان معلوما من البداية ، وهو استحالة تحقق الهدف “الإسرائيلى” الأمريكى ، وزادت شعبية “حماس” وحضورها الفلسطينى والعربى والإسلامى ، وراح العدو يتفاوض مع “حماس” نفسها ، ويعقد معها هدنا موقوتة ، قد تكون تمهيدا لإعلان هزيمة شاملة لكيان الاحتلال ، حتى لو جرى استئناف الحرب لخمسين يوما جديدة .

اترك رد