عاش “عبدالله النديم” في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مناضلآ ومفكرآ وصاحب رسالة وقضية، مناهضآ للإستعمار الانجليزي، ومحاربآ للقمع والإستبداد، وكان من أبرز رجال أحمد عرابي، ومن أهم رجالات الثورة العرابية، أستطاعت خُطَبِه أن تباري أقوي أسلحة الإحتلال، وقد أصدر “النديم” العديد من المخطوطات والمجلات السياسيه، منها “التبكيت والتنكيت” والتي كانت بمثابة السوط الذي يجلد به النديم ورفاقه إنتهاكات الإستعمار، فقد كتب بها العديد من كبار الكُتاب والمفكرين والمؤرخين، حتي تم إيقافها ومنع إصدارها، ولكن النديم كعادته عنيدآ متمردآ، لا يعرف اليأس إليه سبيلآ، فقام بإصدارها بشكل جديد عُرفت “باللطائف” وبعد أن كانت “التبكيت والتنكيت” تصدر بشكل إسبوعي، أصبحت “اللطائف” تصدر بشكل يومي، ثم جاء بعد ذلك مجلة “الأستاذ” وهي من أهم ما أصدره النديم كمطبوعات تناهض الإحتلال، وتكشف حقائق أهدافه الإستعمارية، حيث كانت مقالاته محركآ هامآ للثوره علي الإحتلال، وبالفعل بدأ النديم بتكوين رأي عام، وبدأ بتوجيه وتحريض هذا الرأي ليتحول إلي ثوره عارمه ضد الاستعمار، فكانت مقالاته بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكده، فبدأ الشعب ينتفض، حتي قامت ثورة عرابي عام 1881، وشعرت السلطه بمدي خطورة النديم عليها، فانهالت الفرمانات بضبط وملاحقة النديم، والذي هرب واختفي لمدة 10 سنوات، ولكن بعد أن أشعلت خطبه ومقالاته شرارة الثورة، عاش النديم مناضلآ، لا ترهبه سلطه، ولم يوهنه سجن، فبعد أن سجنه الخديوي “توفيق” لفتره، خرج النديم من محبسه، والذي لم يزده إلا حماسآ ونضالآ فوق النضال، فبدأ النديم ينادي مره أخري بالثوره، فلم يجد أمامه الخديوي “توفيق” إلا أن يصدر قرار بنفي النديم إلي فلسطين، وبالتحديد إلي يافا، لعله بذلك يوأد ما أنجبه النديم من حراك شعبي، ولكن كان النفي بمثابة نفض الغبار عن الفانوس السحري الذي يسكنه المارد، فخرج المارد من داخل قلب وصدر وعقل النديم ليبدع في تأليف كتابه الشهير “كان ويكون” والذي أرسله النديم إلي مصر، ليتداوله الشعب، ليستلهموا منه روح المقاومه والنضال والثوره علي الإستعمار الإنجليزي، وعلي السلطه المصريه المتواطئه ضد إرادة المصريين، وظل النديم في منفاه حتي وفاة الخديوي توفيق في عام 1892، ليعود إلي مصر، لتبدأ مرحلة جديدة بطلها الزعيم “مصطفي كامل” وكان وقتها مصطفي كامل شابآ وطنيآ، تتمثل فيه الكثير من مقومات الزعامه والقياده، والتي إستطاع النديم بخبرته ووطنيته أن يسشعرها، وجاءت جريدة “اللواء” التي أصدرها مصطفي كامل، بمثابة الرباط الذي جمع بين فكري النديم ومصطفى كامل، وعاد النديم مره أخري بإصدار جريدة “الأستاذ” والتي أخرجها بشكل جديد وبمقالات أكثر جرأة، لمواجهة الإستعمار بالعلم والمعرفة والتحدي، وتجلي فكر النديم وحكمته واضحه عندما تصدي للفتنه التي أوقدها اللورد “كرومر” بين نسيجي الوطن من مسلمين ومسيحيين، فنادى بتكوين لجان وجمعيات تضم كبار المفكرين ورجال دين من مسلمي ومسيحي مصر، ليقضي علي الفتنه التي أشعلها اللورد كرومر، ومن هنا جاءت فكرة الوحده الوطنيه، فلم يجد “كرومر” أمامه إلا نفي النديم مره أخري إلي يافا بفلسطين، لتبدأ مرحله جديده، في حياة النديم مع “جمال الدين الافغاني”، فعندما تم نفي “النديم” إلي يافا، أخذ يهاجم السلطان العثماني، فتم طرده من فلسطين، ليتم نفيه بالأستانه ليقابل “جمال الدين الافغاني”، ويقوم النديم بتأليف كتاب من أشهر مؤلفاته، وهو كتاب ” المسامير” والذي هاجم فيه “النديم” الدوله العثمانيه متمثلة في السلطان العثماني، ليتم إيداعه مره أخري في السجن، والذي لم يمنعه من كتابة مقالاته الثوريه، وكان يُهربها من داخل السجن، ليتم نشرها في جريدتي “الأستاذ واللواء” بمصر، فكان النديم مثالآ للكاتب والصحفي والمناضل الوطني، المحب للوطن، بنسيجيه المسلم والمسيحي، فكان صاحب فكر مستنير، وأثبت أن الكلمات أقوي من الرصاص….