إن التخاطر ظاهرة صحية يتم من خلالها التواصل بين الأذهان والقلوب ، بغض النظر عن إتصال الحواس ، وارتباط المكان وقرب المسافات ، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف) .
ولا شك أن من أفضل المعاني وأجمل المباني التي يهدف إليها الإنسان في حياته حسن الصحبة ، حيث يكون في أمس الحاجة لمن يكون له السمع والبصر والفؤاد ، لمن يكون له وطن بديل ، لمن يكون له نبراساً لليل ظليم ، وسنداً ليوم ضنيم ، ونوراً لوجه دغيم ، أخاً بدون نسب ، وإبناً بدون حسب ، وحملاً بدون نصب ، في قربه منح ، وفي غيابه مدح ، وفي خصامه صفح ، وفي خطئه نصح ، مفوه من غير ملل ، صادقاً من غير ذلل ، وهاباً من غير قلل ، محباً من غيرعلل ، هادياً له سبل السلام .
إن لإختيار الأصدقاء أهمية كبري ، وغاية عظمى ، في حياة كل إنسان ، حيث أنه مجبول على الاقتداء بصحبه ، وأن كثيراً من المفاسد والمصائب ، ما هي إلا فلسفة سيئة للأصحاب ، وعثرات مشينة للأصدقاء ، والتي يتجرعها الإنسان لسنوات وسنوات ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ، والحكمة التي تقول ، الصاحب ساحب ، ولله در من قال
عن المرء لا تسأل وسأل عن قرينه.. فكل قرين بالمقارن يقتدي .
إن التجانس الفكري والثقافي والعاطفي من أهم أسباب دوام العلاقات الثنائية بين الأصدقاء ، وهي السبيل الوحيد لاستمرارها ، إلى جانب الثقة والإخلاص والاحترام .
ولذلك رغب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الجليس الصالح ، وحذر من الجليس السوء ، ضاربا المثل لكل منهما ، ف الجليس الصالح كحامل المسك ، نافعاً لنفسه ولغيره ، سواء كان نفعه بعظه أو نصيحه أو علم أو خلق ، وكذلك جليس السوء ، يصيب كل من حوله بالأذى ، ف يفسد عليه دينه وخلقه وسمعته بين الناس .
إن في احتراق الشموع ، لأبلغ دليل ، وأقوى حجة ، واسمي آيه ، على أن السبب في الحريق ، هو وجود شيء غريب في الشمع ليس من جنسه ، وهو الفتيل الذي أدى إلى حرقه وحرق من حوله ، ولله در من قال
من لم تجانسه فاحذر أن تجالسه..ما ضر بالشمع إلا صحبة الفتل .
فلهذا يجب عليك انتقاء من تجالس من البشر ، حتي لا يكونو سبباً في حريقك وهلاكك ، وإذا ما اخترت لنفسك أن تكون مريداً عاملاً ، و ذاكراً عابداً ، فاحرص على مجالسة أهل الاستقامة والعبادة ، ومصاحبة أرباب العمل والإرادة ، فإنك سترث عنهم تلك الصفات والأحوال ، وترتقي في المقامات والدرجات .