خبيران جزائريان: تركيا والسراج يدفعان بالمنطقة للانفجار
متابعة – ريهام محمد احمد
لطالما شكلت الأزمة الليبية اهتماما عند الجزائريين، لكن لم يسبق وأن تحولت إلى نقاش واسع كما يحدث مؤخراً.
والتقت غالبية الآراء عند التحذير من خطورة دور السراج وأردوغان على أمن بلادهم ومستقبل الصراع الدائر في جارتهم الشرقية.
نقاش الجزائريين خاصة عبر مواقع التواصل ترجم حالة من الخوف غير المسبوق على “ما يخطط لبلادهم ولكل المنطقة” من قبل النظام التركي وحكومة الوفاق، بعد إغراقها ليبيا بالمرتزقة والإرهابيين التابعين لتنظيم داعش الإرهابي، وهي “الأوراق القذرة” التي يهدد بها أردوغان أمن كثير من الدول العربية كما حدث سابقاً في سوريا وفق الخبراء الأمنيين.
وتصاعدت حدة الهواجس من الدور المريب للنظام التركي ومليشيات السراج بعد ورود أنباء شبه مؤكدة عن استمالتهما حلف شمال الأطلسي للتدخل العسكري في ليبيا من خلال إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب الليبي.
وأكد خبيران جزائريان أن حكومة السراج والنظام التركي “يواصلان سياسة الخداع والتآمر على الشعب الليبي ودول المنطقة”.
كما لفتا إلى أن الثنائي نفسه يدفع بليبيا والمنطقة إلى “الانفجار وأن تكون مسرحاً لصراع عالمي يتعدى حدود لييبا”، مشددين على أن الجزائر باتت في خضم التطورات الخطرة الأخيرة “من أكثر الدول المستهدَفة” من تحركات السراج.
وتزامنت التطورات الأخيرة مع ما كشفته وسائل إعلام ألمانية عن إرسال تركيا خلال الـ7 أيام الماضية 10 طائرات شحن عسكرية محملة بالسلاح إلى طرابلس، في انتهاك واضح لحظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
كما كشفت صحيفة “تاجس تسايتونج” الألمانية في وقت سابق عن مصادر أممية قولها: إن فريق الأمم المتحدة المعني بمراجعة امتثال الأطراف المختلفة لقرار حظر تصدير السلاح، رصد في الفترة بين يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان 2020، اختراق سفينتين حربيتين تركيتين للقرار، ونقل سفن تركية لمنظومة صواريخ الدفاع الجوي “كوركوت” ومدرعات لطرابلس.
وأشارت تقارير إعلامية غربية إلى أن استمالة السراج وأردوغان للناتو يأتي على خلفية الفشل الذي أصاب حلف هذا الثنائي، من ضربات الجيش الوطني الليبي رغم الكم الهائل من الأسلحة والعتاد والجنود وآلاف المرتزقة والإرهابيين الذين “صدّرتهم” أنقرة إلى طرابلس.
“استشعار” الخطر التركي
ويقول المراقبون، إن الجزائر استشعرت الأخطار الجديدة المحدقة بها من الجهة الشرقية، وأكدت تصريحات مسؤوليها مؤخراً بأنها “لن تبق في موضع المتفرج” على تعقيد الوضع في ليبيا وإغراق هذا البلد العربي بالإرهابيين والسلاح.
وتمثل ليبيا عمقاً استراتيجياً للجزائر في منطقة المغرب العربي، بحسب الخبراء الأمنيين.
وأعربت الجزائر، الأسبوع الماضي، عن “انشغالها الكبير” لتطورات الأوضاع الأمنية في ليبيا، وانتقدت استمرار تدفق السلاح إليها، وشددت على أنه “ساهم في تسليح مجموعات إرهابية” بشكل أصبح يهدد أمن المنطقة برمتها.
وشدد وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم في بيان اطلعت “العين الإخبارية” على تفاصيله أن “التدفق الكبير للسلاح إلى ليبيا يمثل انتهاكاً صارخاً للقرارات الدولية”، وأنه “ساهم في تسليح المجموعات الإرهابية التي أضحت تهدد أمن المنطقة”.
وانتقد بشدة التدخلات الخارجية في الجارة الشرقية للجزائر، مشيراً إلى أن التطورات التي تشهدها “تؤكد تضارب الأجندات الإقليمية والدولية التي يبدو أنها لا تتفق إلا على إبقاء ليبيا على حالة الفوضى”.
وجدد رؤية الجزائر لحل الصراع القائم في ليبيا من خلال الحل السياسي بين جميع الأطراف وإنهاء التوتر القائم في هذا البلد العربي.
كما أكد أن بلاده ستواصل جهودها واتصالاتها “حتى في هذه الظروف الصحية لتشجيع الليبيين على الرجوع إلى طاولة الحوار، واستمرار جهودها للوصول إلى حل سياسي”.
اهتمام شعبي ورسمي
وأظهرت مواقف الجزائريين الأخيرة، بأن الأزمة الليبية لم تعد فقط من أولويات السياسة الخارجية الجزائرية، بل “قضية رأي عام في البلاد”، مستمدين اهتمامهم من معاناتهم مع وحشية الإرهاب سنوات التسعينيات.
وأكدت مواقف الجزائريين رفضهم لما يواجهه أشقاؤهم الليبيون من تآمر داخلي وخارجي، تقوده حكومة يقول جزائريون إنها “باتت مناقضة لاسمها، وعنواناً للتفرقة بدل التوافق، وسلّمت أرواح ومستقبل الليبيين إلى النظام التركي وتنظيم داعش الإرهابي”.
ودعا رواد مواقع التواصل في الجزائر سلطات بلادهم إلى “الحذر من غدر النظام التركي وإلى اتخاذ مواقف أكثر حزماً ضد التواجد العسكري في ليبيا”، مشددين على أن التاريخ القريب “أثبت بأن صفة الغدر والتآمر على الدول العربية متلازمة بنظام أردوغان” الذي يسعى – بحسبهم – إلى “استعادة أمجاد عثمانية مزعومة متناسية أن شعوب المنطقة دفعت الثمن غالياً للتحرر من المستعمر في القرن الماضي”.
ورأى مراقبون، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحاول “استغلال واستثمار حياد الجزائر في الأزمة الليبية لبسط نفوذه وهيمنته على ليبيا”، مشددين على أن “المستهدَف القادم لن يكون إلا دول الجوار الليبي الفاعلة وهي الجزائر ومصر وتونس”.
وأشار خبيران جزائريان في تصريحات بأن السراج وأردوغان “خدعا الجزائر والمنطقة مرتين، الأولى عندما استقدم آلاف المرتزقة وإرهابيي داعش إلى ليبيا، والثانية عندما استنجدا بأفريكوم والناتو”.
وأشارا إلى أن الحدود الجزائرية مع ليبيا أصبحت أكثر خطورة بعد أن تحولت إلى مرتع لداعش الإرهابي والجنود الأتراك، وقواعد الناتو وأفريكوم مستقبلا، وهي المسألة التي تنظر إليها الجزائر “بحساسية كبيرة”، خصوصاً وأنها عارضت مراراً إقامة قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها أو في المنطقة.
وأكدا على أن النظام التركي يدفع بليبيا لأن تكون “قنبلة موقوتة سريعة الانفجار، تكون معها قوة الارتدادات على دول الجوار الليبي الثلاثة، ومعولة على هشاشة الأنظمة الأمنية والسياسية في الدول المحيطة بالجنوب الليبي”.
وترتبط الجزائر بحدود شاسعة مع ليبيا تقارب الألف كيلومتر، تحولت منذ 2011 إلى مصدر لاستنزاف الأجهزة الأمنية والعسكرية في الجزائر.
وأكد الجيش الجزائري في أوقات سابقة بأنه “في جاهزيته القصوى تحسباً لأي محاولات للمساس بأمن الجزائر”، وكثّف منذ العام الماضي مناوراته العسكرية على الحدود مع ليبيا ومالي، شاركت فيها مختلف القوات البرية والبحرية.
وأكد خبراء أمنيون في وقت سابق أن “تحركات الجيش الجزائري تعد رسالة تحذير قوية لتركيا ومن معها من ميليشيات السراج والمرتزقة وداعش من مغبة ابتزاز الجزائر أو القيام بخطوات غير محسوبة العواقب”.
نظامان مخادعان
الخبير الأمني الجزائري أحمد كروش “لم يتفاجأ” من المخطط الجديد النظام التركي وما يعرف بـ”حكومة الوفاق”، ورأى بأن خطوتهما باستمالة حلف شمال الأطلسي “كانت متوقعة”، مؤكداً بأن الخطر الحقيقي على الجزائر والمنطقة “هو التواجد التركي في ليبيا”.
وعن حديث مراقبين عن “خداع السراج للجزائر بورقة الناتو”، أوضح كروش في تصريح لـ”العين الإخبارية” بأنه “خداع كان قبل هذه الخطوة، وبدأ باستقدام القوات التركية إلى الأراضي الليبية وكان ذلك أول خدعة من السراج للجزائر ولكل دول المنطقة”.
وأضاف بأن “كل دول المنطقة ترفض وجود أجنبية على أرض ليبيا”، مشيراً في السياق إلى أن تركيا تستغل عضويتها في حلف شمال الأطلسي لاستقدامه إلى ليبيا.
وقال إن “وجود قوات تركية أو للناتو في ليبيا أمران لا يختلفان، كما أن هذه البوادر بدأت في الظهور بدأت مع حديث تقرير لأفريكوم عن وجود طائرات روسية في مطار الجفرة، والذي كان إشارة وذريعة للتدخل الأمريكي المباشر في الأزمة الليبية بعد أن كانت في وضع المراقب”.
وكشف الخبير الأمني الجزائري على أن “الدليل الثاني الذي يؤكد وجود شيء ما يُحضر” هو “المكالمة الهاتفية التي أجراها قائد أفريكوم مع وزير الدفاع التونسي التي تحدثت عن وجود قلق أمني مشترك وتهديدات إرهابية محتملة قادمة على المنطقة، وتعاون مع لواء أمني لأفريكوم للمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب والهواجس الأمنية المشتركة بين أفريكوم وتونس وهذه البوادر تثبت أن هناك شيئاً ما يُحضر ويُطبخ للمنطقة حتى ينفذ على أرض ليبيا”.
كما تحدث أحمد كروش عن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين السفير الأمريكي في ليبيا وفايز السراج التي تطرقت “لجهود مكافحة الإرهاب”.
وهنا أشار الخبير الأمني إلى أنه “لم يتم تحديد مفهوم للإرهاب الذي تطرقا له، هل هو إرهاب داعش الذي يزعم السراج بأنه أخرجه من سرت؟ وأين ذهب مقاتلو داعش بعد ذلك من 2016 إلى اليوم؟”.
وتابع قائلا: “نسمع دائماً في وسائل الإعلام عن وجود مرتزقة تحارب في ليبيا مثل قوات فاغنر، لكننا لم نسمع أبداً في الإعلام ذاته عن حشود المرتزقة والإرهابيين التي جاءت بها تركيا إلى ليبيا”.
غلق الطريق أمام الحل السلمي
من جانبه، اعتبر الأكاديمي الجزائري الدكتور لزهر ماروك في تصريح لـ”العين الإخبارية” بأن استمالة حلف شمال الأطلسي للتدخل في ليبيا “يعد تدويلاً كبيراً وخطراً للصراع الدائر في ليبيا، ويؤدي إلى غلق الطريق أمام الحل السلمي والتفاوضي”.
وكشف عن أن هذه الخطوة تهدف إلى إعطاء شرعية “مزعومة” للتواجد التركي في الأراضي الليبية من خلال “شرعنة القواعد الأطلسية في ليبيا ويعطي الضوء الأخضر أيضا لانتشار قوات الناتو وهو ما سيؤدي إلى تعقيد الأزمة الليبية ولن تخرج منها إلى الأبد كما حدث في مناطق مختلفة من العالم”.
مضيفاً أن “ذلك سيؤدي إلى انقلاب الصراع في ليبيا إلى مستويات خطرة، وتصبح مسرحاً للقوى الكبرى وللقواعد العسكرية ولجيوش نظامية متصارعة، ما يشكل تهديداً كبيراً على وحدة ليبيا وإبعاد الليبيين كطرف رئيسي في معادلة الأزمة، ويصبح الصراع بين قوى كبرى والليبيون وقوداً لهذا الصراع”.
وأكد بأن إقامة عسكرية للناتو في ليبيا “لن يؤثر على مجريات الأوضاع الميدانية فقط في ليبيا، بل على كل دول المنطقة خصوصاً الجزائر، وهي القاعدة التي ستكون مزودة بطائرات وشبكة تجسس تغطي كل المنطقة، وهذا ما سيؤثر على الأمن القومي للجزائر خاصة على جنوبها والتي تعتبر منطقة استراتيجية فيها كل الثروات وآبار النفط، وهو ما يعني أن الجزائر ستتأثر بشكل مباشر من هذه الخطوة”.
تركيا.. الخطر الأكبر
وقال الخبير الأمني أحمد كروش في حديثه مع “العين الإخبارية” إنه “في اعتقادي أن الخطر الأكبر يكمن المقاتلين الذين تأتي بهم تركيا إلى ليبيا من سوريا، وليس فقط بقية التدخل الأجنبي الذي يبقى خطرا دول الجوار المنطقة ككل، لكن في واقع الأمر أن من جاءت بهم تركيا من إدلب السورية الذين يمثلون نحو 80 دولة فهم يحملون صفتي المرتزقة والإرهابيين”.
وأشار إلى حقيقة الخطر الذي يحمله هؤلاء الإرهابيون والمرتزقة، وقال “إن بقائهم في ليبيا ليس مرتبطاً بالأموال بل بخلفيات عقائدية وأيديولوجية، وسوف يبقون في المنطقة، كما أنهم لا يعترفون بالحدود الجغرافية أصلا”.
ونوه بأن حكومة فايز السراج “أوقعت الجزائر في معضلة حقيقية باستقدام هؤلاء المرتزقة والإرهابيين، وهو الأمر الأخطر على الجزائر ودول الجوار وكل المنطقة أكثر من أي تدخل عسكري آخر”.
وعن استقدام قوات للناتو، يرى الخبير الأمني الجزائري بأن تدخل حلف شمال الأطلسي “هو الذي أوصل ليبيا إلى ما هي عليه الآن بعدما أسقطت نظام الرئيس السابق معمر القذافي بتآمر مع بعض الدول التي جعلت ليبيا مرتعاً للتدخلات الأجنبية والجماعات الإرهابية بمختلف مسمياتها، وبالتالي فهو ليس بالمعطى الجديد في الوضع الليبي”.
وأكد في مقابل ذلك أن تواجد قواعد عسكرية أجنبية في ليبيا “يزيد من قلق دول الجوار الليبي ويزيد من استنزاف جيوشها وقواتها الأمنية وزيادة الأعباء عليها، وعليها أن تتأقلم مع هذه التطورات بالتصدي لهذه المتغيرات الجديدة بكل قوة سياسية وعسكرية من خلال تأمين حدودها”.
مقاربة ثلاثية
وعن احتمال تأثر أو تغير الموقف الجزائري من تطورات الأوضاع الميدانية في ليبيا على ضوء المتغيرات التي فرضها النظام التركي وميليشيات السراج، أشار الخبير الأمني بأن “الموقف الجزائري الحالي تبنته منذ تفجر الأزمة في ليبيا، ولم تقف مع أي طرف في الصراع الدائر هناك ضد طرف آخر، لا سياسياً ولا عسكرياً، واستقبلت جميع الفرقاء وحرص مسؤولوها على لقائهم في ليبيا أيضا”.
كما أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون – يضيف كروش – “أكد في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية بأن بلاده تقف على مسافة واحدة بين جميع الأطراف الليبية، وبالتالي فإنها تعمل على وجود حل سلمي ولتقريب وجهات النظر، وجددت دعوتها لاحتضان الحوار الليبي وأن يكون الحل ليبياً دون تدخلات أجنبية”.
وتوقع أن “تبقى الجزائر على مواقفها الثابتة من الحياد في الأزمة الليبية ولن يتغير، وتكثف تنسيقها مع دول الجوار والاتحاد الأفريقي أو أي هيئة دولية يمكنها توصيل كلمة العقل للإخوة الليبيين”.
لكنه رجح في المقابل أن “تكون للجزائر ردود فعل قوية على التدخلات العسكرية في ليبيا، وسبق لها أن دعت مجلس الأمن إلى تجمل مسؤوليته لاتخاذ إجراءات فعلية لوقف المهازل التي تحدث في ليبيا”.
واستبعد الخبير الأمني أحمد كروش أي تدخل عسكري للجزائر في ليبيا”، مشيراً أن “خطوة دخول قوات عسكرية جزائرية إلى ليبيا يحتم عليها الوقوف بجانب طرف على آخر، وهو ما يتعارض مع سياسة الجزائر الخارجية ولمقاربتها لحل الأزمة في جارتها ليبيا، وتعتقد أيضا بأن الحل العسكري لا يأتي بنتيجة وأن الحل الوحيد هو سلمي”.
أوراق “ضعيفة”
غير أن أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور لزهر ماروك يرى أن “الجزائر لا تملك الكثير من الأوراق للتأثير في الوضع الليبي، في ظل تمسكها بورقة الحل السلمي فيما وصل مستوى الصراع إلى مستويات لم يجد معها الحل التفاوضي مكاناً”.
وأوضح، في حديثه مع، بأن “الجزائر ستبقى في موضع المتفرج لأنها لا تستخدم أدوات القوة ولا تتحالف مع أي طرف وليست منخرطة في الأرض، وبالتالي فإنها لن تتمكن من تغيير الأوضاع”.
ونوه بأن الجزائر “ستواجه التداعيات الخطرة لزيادة التدخلات العسكرية في الأزمة الليبية بما فيها تدخل حلف شمال الأطلسي والتي ستزيد من عمر وتعقيد الصراع”.