“أنت تسأل والأزهر يجيب” ما هي كيفية وُضُوء الأطقم الطبية من الأطباء والممرضين والموظفين والعاملين في مستشفيات العزل الصحي؟

0 812

الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فإن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودفع المضارِّ وتقليلها، واعتبرت الشريعة الحفاظَ على النفس من أسمى المقاصد، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، ولذلك فإن ما تقوم به الأطقم الطبية بجميع فئاتها نوعٌ من الجهاد في سبيل الله تعالى.
وكما أتت الشريعة بالحفاظ على النفس أتت كذلك بالحفاظ على المال، واعتبرت إنفاقَه في غير محلِّه سفهًا وتبذيرًا؛ ولذا حرَّمت تضييعَه بأي شكل من الأشكال؛ فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله كَرِهَ لكم ثلاثا: قيل وقالَ، وإضاعة المال، وكثرة السؤال». ولذلك فإنَّ نزع الملابس الواقية التي ترتديها الأطقم الطبية أثناء العمل يُعد مخالفةً شرعيةً؛ لأنه يؤدي إلى الإصابة المحقَّقة بالعدوى، وإهدارِ المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ كما في الحديث السابق.
وقد قرَّر الفقهاء أنَّ من موانع صحة الوضوء وكذا التيمم وجودَ حائل يمنع من وصول الماء أو التراب إلى العضو المقرَّرِ أن يصل إليه الماء في الوضوء، كما أن الأطقم الطبية التي تخالط المرضى يختلف وضعها بحسب طبيعة عملها، فمَن يقتصر عملُه على إجراء الفحص المبدئي ولا تقتضي طبيعةُ عمله مخالطةَ مصابي كورونا، ولا يشقُّ عليه نزع الكمامة، فهذا يتعيَّن عليه الوضوء وأداءُ الصلاة في وقتها؛ إذ هذا هو الأصل، أمَّا منِ اقتضت طبيعة عمله مخالطةَ المصابين؛ سواء في الرعاية المركزة، أو العناية المركزة، أو مستشفيات العزل الصحي منَ الأطباء أو الممرضين أو غيرهم فإنَّ حكمَهم بالنسبة للطهارة والصلاة ما يلي: الوضوء قبل ارتداء الملابس الواقية؛ للتمكُّن من أداء الصلاة في مواقيتها، ولأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ.
وإنه من العذر المبيح لهم الجمعُ بين الصلوات بعد الانتهاء من المهامِّ، ونزعِ الملابس الواقية بسبب خشية العدوى للأطباء وهيئة التمريض الذين يخالطون المصابين بكورونا، ويتعهدونهم بالرعاية، فيباح لهم الجمعُ بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، جمعَ تقديم في وقت الصلاة الأولى، أو جمعَ تأخير في وقت الصلاة الثانية، حسب طبيعة الورديَّةِ، وهذا الجمع بغير قصرٍ، ويستدل لهذا الجمع بما ثبتَ عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما قال: «صَلَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهرَ والعَصرَ جَميعًا بالمدينَةِ في غَيرِ خَوفٍ ولا سَفَرٍ». قال أبو الزُّبَيرِ: فسأَلتُ سعيدًا: لِمَ فعَلَ ذلكَ؟ فقالَ: سأَلتُ ابنَ عباسٍ كما سأَلتَنِى، فقالَ: «أرادَ ألَّا يُحرِجَ أحَدًا مِن أُمَّتِهِ».
فقول ابن عباس رضي الله عنهما: «أراد ألا يُحرجَ أحدًا من أمتِه». معناه: أراد ألا يُوقِعَ أمته في الحرجِ، والحرجُ هو الضيق الشديدُ والمشقة التي لا تحتملُ، وهو منفيٌّ عن جميع التكاليفِ الشرعية، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، ولا شكَّ أن المشقَّةَ الحاصلة بسبب المرض سواءٌ للمريض أو الأطقم الطبية التي تتابع المرضى ولا تتمكن من أداء الصلاة في وقتها أولى بالتيسير، كما نصَّ على هذا المعنى شيخ الإسلام زكريا الأنصاريُّ.
وبُني الاختيار في هذه الفتوى على التيسير الذي هو روح التكاليف في الشريعة السمحة، ونهج نبينا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: «ما خُيِّر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أمرينِ إلا أخذ أيسرَهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعدَ الناسِ منه».
ونسأل الله تعالى أن يكشف الكربَ، وأن يرفعَ الوباء، وأن يُجازيَ جميعَ الأطقم الطبيةِ الذين يسهرون على رعاية المصابين خيرَ الجزاء.

اترك رد