إستئناف عمل المحاكم غدًا جزئيًا، تمهيدًا لتشغيل جميع الدوائر بكامل طاقتها فى 13 يونية، قرار متعجل لأسباب كثيرة، فليست الظروف الراهنة ولا التدابير الاحترازية مهما كانت صرامتها كافية لتحقيق سلامة وصحة المتقاضين والقضاة، وكلنا يعلم أن هناك قضايا كثيرة لم يفصل فيها وبالتالى ازداد عدد القضايا ومن ثم سيزداد عدد المتقاضين داخل المحاكم بكافة أنواعها جنايات واستئناف ونقض وابتدائى وأحوال شخصية، بالاضافة إلى دوائر مجلس الدولة وقضايا الدولة والدستورية وخلافها. هنا يأتى التساؤل من يضمن إذن السلامة داخل المحاكم فى ظل التأكيد التام على أن الاكتظاظ الشديد بداخلها من قبل أن يضرب فيروس كورونا البلاد كبقية دول العالم أجمع؟ لا أعتقد أبدًا أن أحدًا يتحمل وقوع الكارثة داخل المحاكم، فلا مجلس الوزراء يتحمل هذا ولا المستشار عمر مروان وزير العدل يتحمل هذه المسئولية الكارثية، ويظل السؤال المطروح أيضًا: لماذا التعجل فى عودة المحاكم خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أعلن مرارًا وتكرارًا أن سلامة وصحة المواطن هي الأهم من كل شيء ومن كل أموال الدنيا. ورغم أن الحكومة المصرية قامت بأدوار رائدة فى الإجراءات والتدابير الاحترازية من أجل الحفاظ على صحة المواطنين على مستوى كل الوزارات والهيئات والقطاعات المختلفة، وباتت هذه الاجراءات الرائعة والرائدة حديث العالم أجمع، وتم ضرب المثل بمصر فى هذا الشأن خاصة من جانب منظمة الصحة العالمية وجميع الهيئات الأخرى التابعة لها. وسيظل ما تفعله مصر نموذجًا يحتذى به ويسجله التاريخ بحروف من نور للدولة المصرية، ولا يجب على الحكومة أن تفرط فى هذه الانجازات العظيمة، وتتعجل قرار استئناف الحياة!! لماذا التعجل فى استئناف العمل بالمحاكم رغم أن مبرر عملها لم يختف، وفيروس كورونا مازال يحصد الأرواح والعدوى تتزايد بين الناس بشكل ملحوظ طبقًا للاحصائيات المعلنة من جانب وزارة الصحة، والأخطر من ذلك كله أن تصريحات منظمة الصحة العالمية، حذرت مؤخرًا من تصاعد موجة كورونا فى مصر خلال الأسابيع القادمة، وأنه من الضرورى أن تتخذ القاهرة الكثير من الإجراءات الاحترازية ومن بينها تفعيل التجمعات البشرية بأى شكل من الأشكال، وحذر الدكتور أحمد بن سالم مدير منظمة الصحة العالمية الاقليم شرق المتوسط، من التأثير الوخيم الذى لا يمكن تصوره لتهديد الصحة العامة على الأفراد والمجتمعات والبلدان فى هذه المنطقة خلال الأيام القادمة، أليس هذا كافيا بوقف العمل بالمحاكم خلال هذه الفترة حتى تستقر الأمور وماذا يضير مثلاً لو تأخر العمل بها لمدة أسابيع أخرى، وحتى على الأقل تكون مصر قد تخطت مرحلة الذورة مع هذا الوباء والتى لم تبدأ بعد!!! إنما تصريحات الدكتور عوض تاج الدين المستشار الطبى لرئاسة الجمهورية قد جاءت حاسمة وحازمة فى هذا الشأن، فماذا قال فى المداخلة مع الزميل سيد على فى برنامج حضرة المواطن على قناة الحدث اليوم.. قال: إن الدولة قد تضطر لإجراءات أكثر صرامة وفق الأرقام الخاصة بإصابات كورونا فى ظل زيادة الأعداد لأن صحة الإنسان هى الأهم والأولوية للحكومة قد تدرس كل هذه الإجراءات فى ضوء حماية المواطن والدولة والاقتصاد وفق توازنات شديدة وصحة الإنسان هى الأهم.. وطالب عوض تاج الدين بضرورة البعد عن التجمعات والاعتماد على الوسائل الوقائية والاحترازية. كما لا يفوتنا أن تصريحات الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء تتحدث بصفة مستمرة عن إجراءات أكثر صرامة وفق تقدير الموقف. هنا حسمت تصريحات الدكتور عوض تاج الدين الأمر تمامًا بأن هناك أعدادًا متزايدة من المصريين أصابهم الوباء، والحكومة لا تبخل أبدًا باتخاذ ما من شأنه الحد من الاصابات وفى ذات الوقت منظمة الصحة تحذر من تزايد الاصابات، يبقى إذن لماذا تعجلت وزارة العدل فى استئناف عمل المحاكم؟!.. هل هذا تقدير الحكومة؟! أم تقدير «العدل»؟!.. على كل حال الكل يجمع تمامًا على أن صحة المواطن هى الأهم فى هذا الشأن، وبالتالى لابد من إعادة مراجعة قرار استئناف العمل بالمحاكم والصبر قليلا على هذا القرار بالعودة، ووقف العمل بالمحاكم خاصة أن طبيعة عملها فيه تكدس شديد وليس زحامًا فقط، فى ضوء حضور المتهمين من حبسهم وهيئة القضاء وأقارب المتهمين وهيئة الدفاع، ولا توجد محكمة بطول البلاد وعرضها إلا وبها تكدس شديد، وهذا يتنافى مع قرارات الدولة والحكومة التى تؤكد أن سلامة وصحة المواطن لها الأولوية القصوى. اللهم أنى أسألك الشفاء وشفاء جميع المرضى من كل داء أنت ربى ورب المستضعفين فى الأرض.